نحو عدالة جنائية مواطِنة: تأصيل دستوري وتجديد تشريعي في ضوء مشروع قانون المسطرة الجنائية
في سياق الدينامية الوطنية المتواصلة لإصلاح منظومة العدالة وتحيين بنيتها التشريعية بما ينسجم مع التحولات الدستورية وانتظارات المواطن المغربي، احتضنت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالجديدة، يوم الجمعة 30 ماي 2025، ندوة وطنية خُصصت لمناقشة مضامين مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23، بمشاركة نخبة من الأساتذة الجامعيين، والقضاة، والممارسين في الميدان القضائي.
شكل هذا اللقاء لحظة تأمل جماعية في رهانات العدالة المغربية، وساهم في إذكاء نقاش علمي مسؤول حول سبل تطوير البنية الفكرية للتشريع الجنائي، بما يعزز النجاعة القضائية ويحمي الحقوق والحريات، ويساير في الوقت ذاته متطلبات التحديث المؤسسي الذي تشهده المملكة.
توزعت أشغال الندوة بين مداخلات متعددة عكست غنى النقاش وتنوع زوايا التحليل. ومن بين المساهمات التي أسهمت في إغناء النقاش القانوني، مداخلة القاضي الباحث نوري الزعري، الذي توقف عند أهمية تأصيل مقتضيات المشروع في المبادئ الدستورية وضمانات المحاكمة العادلة، مشددًا على ضرورة تطوير بدائل للاعتقال الاحتياطي، من ضمنها نظام المراقبة الإلكترونية، وعلى أهمية ترسيخ مبدأ التناسب والفعالية دون المساس بحقوق الدفاع.
كما قدّم الدكتور أسامة ولد النعيمية قراءة تحليلية لمفهوم العدالة التصالحية، متناولًا مستجد الصلح الجنائي الذي تضمنه المشروع. واعتبر هذه الآلية خطوة نوعية لتقريب القضاء من المواطن، وتخفيف العبء عن المحاكم، عبر تسوية ودية للقضايا البسيطة، إلى جانب إمكانية اعتماد وسائل إلكترونية لتدبير بعض مراحل الدعوى العمومية.
وقد تميزت باقي المداخلات، التي قُدّمت من طرف أساتذة وخبراء في القانون والممارسة القضائية، بالدقة والعمق، حيث ناقشت جوانب متعددة من المشروع، من بينها شروط تفعيل الصلح الجنائي، وسبل ضمان فعاليته مع احترام حقوق الأطراف، فضلًا عن جاهزية الموارد البشرية والإدارية لتنزيل مقتضيات هذا القانون على أرض الواقع.
وانصبت النقاشات كذلك على أهمية الانتقال من منطق تعديل النصوص إلى منطق إصلاح شمولي ومندمج، يأخذ بعين الاعتبار السياق المجتمعي والرهانات المؤسساتية، ويرتكز على الحكامة القضائية، وجودة الأداء، وتعزيز الثقة بين المتقاضين والمؤسسات العدلية.
وقد اختُتمت الندوة بتوصيات عملية أكدت على ضرورة تعميق التفكير الجماعي حول مستقبل العدالة الجنائية، وإرساء قواعد تشريعية منفتحة، فعالة، ومنسجمة مع روح الدستور المغربي، بما يُسهم في بناء منظومة عدالة ناجعة، منصفة، ومواطِنة.