حين تغيب السياسة الحقيقية وتحضر الشعارات
🪶
بقلم ✍️ انيسة الوردي 🪶
للأسف الشديد، ما نراه اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الخرجات الإعلامية لبعض الفاعلين السياسيين، يعكس واقعًا مؤلمًا لا يمتّ بصلة إلى العمل السياسي الحقيقي. فحين تتحوّل السياسة إلى استعراضات فارغة من المضمون، وتغيب عنها الأخلاق والمسؤولية، علينا أن نتساءل بجدية: إلى أين نسير؟
السياسة أخلاق قبل أن تكون خطابات، ومن تربّى على يد امرأة مغربية أصيلة يدرك جيدًا أن خدمة الوطن والمواطن شرف لا يُمنح لأي كان. لقد تابعنا خلال السنوات الماضية شعارات انتخابية كثيرة، أبرزها الشعار الذي رفعه حزب التجمع الوطني للأحرار “تستاهل أحسن”، والذي صدّقه الكثير من المواطنين بحسن نية، على أمل أن يعيشوا فترة حكومية تُنصفهم، خصوصًا وأن هذا الحزب يوصف بكونه من الأحزاب الثرية التي، في تصور المواطنين، لن تمسّ جيوبهم أو ترهقهم بالضرائب والزيادات.
لكن مع تولي هذا الحزب رئاسة الحكومة، تغيّرت التوقعات إلى خيبات. نخصّ بالذكر هنا مبادرة “الدعم المباشر”، التي كانت في ظاهرها تهدف إلى مساعدة الأسر المغربية ومواكبة ارتفاع الأسعار. غير أن الواقع أظهر أن هذه المبادرة تحوّلت من وسيلة دعم إلى أداة سحب جديدة من جيب المواطن، بأسلوب “احترافي” لا يبدو أنه يحمل في طياته إنصافًا أو عدلًا. فالمبلغ المقدم لا يغطي الزيادات المهولة في الأسعار، بل أصبح وسيلة لتبرير قرارات أخرى أكثر كلفة، وكأن الدعم يُمنح بيد ويُسحب بعشر.
ولا نقف عند هذا فقط، ففي خرجات رسمية وندوات متعددة لحزب التجمع الوطني للأحرار، سواء على المستوى الوطني أو المحلي، تفاجأنا بخطابات تفتقر لأبسط شروط المسؤولية. أبرزها ما صرّحت به نائبة رئيس جماعة أكادير، التي قالت بالحرف الواحد: “اللي ما عجبوش الحال يخوي المدينة، نعطيوه الفلوس ويخوي”. بالله عليكم، هل هذا خطاب مسؤول منتخب؟ هل يُعقل أن يُخاطَب المواطن بهذه الطريقة بدل الاستماع لمطالبه والعمل على تحسين ظروفه؟
وفي ندوة أخرى، خرجت الفنانة والممثلة فاطمة خير، وهي عضو بالحزب ذاته، لتُمجّد رئيس الحكومة بكلام لا يعكس الواقع المعاش، بل يناقضه تمامًا. فأين هي تلك الإنجازات التي يُتحدث عنها، ونحن نرى المواطن يغرق كل يوم في بحر من الزيادات؟ أسعار المحروقات، المواد الغذائية، النقل، فواتير الماء والكهرباء… كلها ارتفعت بشكل غير مسبوق، حتى بات المواطن عاجزًا عن مجاراة متطلبات الحياة اليومية.
ختامًا، لسنا ضد أحد، ولسنا ضد الأحزاب، بل نحن مع الوطن أولًا ومع كرامة المواطن دائمًا. رسالتنا اليوم واضحة: لا تُخاطبوا الشعب بشعارات لا تُطبق، ولا تستهينوا بوعيه. المواطن المغربي ليس ساذجًا، بل صبور، محترم، ويستحق أن يُحترم.