بائع السردين المراكشي: خطوة لكسر الاحتكار أم بحث عن الشهرة؟

بقلم: حفيظ بنعمر

في الأيام الأخيرة، أشعل شاب مراكشي معروف بـ”عبد الإله مول الحوت” جدلًا واسعًا في المغرب بعدما قرر بيع السردين بسعر 5 دراهم للكيلوغرام، وهو سعر منخفض جدًا مقارنة بما هو معروض في الأسواق المحلية. هذه الخطوة لقيت دعمًا كبيرًا من المستهلكين، لكنها أثارت أيضًا تساؤلات حول مدى واقعيتها: هل هي محاولة جادة لكشف التلاعب في سوق الأسماك، أم مجرد وسيلة لجذب الانتباه والشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي؟

هل يمكن للسردين أن يصل إلى هذا الثمن؟
السؤال الجوهري في هذه القضية هو ما إذا كان سعر 5 دراهم للكيلوغرام منطقيًا أم لا. بالنظر إلى الأرقام الرسمية، فإن السردين يُباع في الموانئ المغربية بأسعار تتراوح بين 3 و6 دراهم للكيلوغرام، حسب العرض والطلب والمواسم. لكن بعد خروجه من الميناء، يمر بعدة مراحل من التوزيع تشمل الوسطاء، التجار، ونقاط البيع، مما يرفع سعره ليصل إلى 20 درهمًا أو أكثر في بعض المدن.

إذا اعتمدنا على الأسعار في الموانئ، فمن الناحية النظرية، يمكن بيع السردين بسعر 5 دراهم إذا تم إلغـاء الوسطاء واعتمـاد البيع المباشر للمستهلك. لكن هذا يتطلب سلسلة إمداد جديدة تمامًا، وهو أمر شبه مستحيل في ظل البنية الحالية للسوق.

بين الحقيقة والإثارة الإعلامية
ما لا يمكن إنكاره هو أن قرار “مول الحوت” خلق ضجة واسعة، جعلته حديث الشارع المغربي ووسائل الإعلام. هذه الضجة دفعت السلطات إلى التحرك بسرعة، حيث تم إغلاق محله بدعوى عدم احترام شروط التخزين والإشهار. لكن السؤال المطروح هنا: هل كان الإغلاق لأسباب قانونية بحتة أم أن هناك جهات شعرت بالتهديد من مبادرته؟

لا يمكننا تجاهل أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة مفتوحة للشهرة السريعة، وأحيانًا تعتمد بعض الشخصيات على “البوز” لجذب الانتباه. لكن حتى لو كان هدف الشاب المراكشي هو تحقيق الشهرة، فإن مبادرته لامست واقعًا حقيقيًا يعيشه المواطن المغربي يوميًا: الغلاء المبالغ فيه للمواد الأساسية وغياب الشفافية في تحديد الأسعار.

إشكالية الوسطاء: الحلقة المفقودة في سوق السمك
أحد أهم الأسباب التي تجعل سعر السردين يقفز من 4 دراهم في الميناء إلى 20 درهمًا في الأسواق هو تعدد الوسطاء، الذين يستفيدون من فروقات الأسعار دون أن يكون لهم دور حقيقي في تحسين جودة أو توفر المنتوج. هذه الإشكالية ليست جديدة، لكنها نادرًا ما تُناقش علنًا، إلا أن مبادرة “مول الحوت” أعادت إحياء هذا النقاش بقوة.

خاتمة: هل فتح “مول الحوت” الباب أمام التغيير؟
سواء كانت مبادرة هذا الشاب نابعة من نية صادقة لكسر احتكار الأسعار، أو مجرد وسيلة لجذب الشهرة، فإنها ألقت الضوء على خلل كبير في سوق الأسماك بالمغرب. حتى إذا اختفت الضجة مع مرور الوقت، فإن الرسالة الأهم قد وصلت: المواطن المغربي أصبح أكثر وعيًا بالأسعار الحقيقية، وأكثر استعدادًا لطرح الأسئلة حول من يتحكم فيها ولماذا.

ربما لن يكون “مول الحوت” هو الشخص الذي يغير قواعد اللعبة، لكن حركته البسيطة قد تكون الشرارة التي تجعل الجميع يعيد النظر في الطريقة التي تُدار بها الأسواق في المغرب.

لمشاهدة تفاصيل أكثر حول هذه القضية، يمكنكم متابعة الفيديو التالي:

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.