إن المتتبع لخطوات إصلاح مدونة الأسرة المغربية منذ نسختها الأولى في 2004، ورغم الشعارات التقدمية، وتجاذب موضوعاتها بين التيارات العلمانية والتيارات الدينية يقف حائرا في الخلفيات العميقة التي تحركها، فبينما نجد في أقصى اليمين العقلية الداعية لمحاصرة المرأة بين ثلاث خرجات لا رابع لها من بيت أبيها إلى بيت زوجها، ومن بيت زوجها إلى قبرها، هذا الحصار الذي يحرمها من المشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وجعلها تحت وصاية ذكورية كاملة؛ ليحتكر الذكور المال والجنس والدين دونها، هذا الهاجس الذكوري يتفاقم مع أقصى اليسار ويجعل المرأة محرومة من أسباب الولوج إلى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وينسى خرجتها المسكوت عنها في عقلية أقصى اليمين خرجتها من رحم أمها إلى الوجود كإنسان له حقوق وعليه واجبات؛ فالأول كمن يئدها قبل أن تستهل والتيار التقدمي ذي العقلية الفقهية الزميتة في مسحتها الكاثولكية يئدها ويدسها بعد أن تستهل، ويعلن شعار دفاعه عنها من احتكار الرجل للثروة والمال والجنس والدين، فيجعلها عمليا بشكل واضح تحت رحمة الذكر وكبوسه وفضله الذي لا ينتهي، فيجعلها تأخذ منه حضانتها ومتعتها وتأكل من نفقته على أولاده، طعام لو كانت تستصيغه ولم يكن زقوما في أمعائها لظلت في بيت الزوجية، ومال لو كان يغطي حاجاتها لما نهضت وثارت بينها وبين زوجها السابق خلافات جعلت حياتها معه مستحيلة، والمثل يقول “ما عمر القط يهرب من دار العرس” فالذكر حسب إصلاحات مدونة الأسرة المغربية في نسختها القديمة وفي نسختها الجديدة 2023 مع استفحال العقلية المتزمتة جاعلة مصدر عيش المرأة الوحيد هو الذكر كان زوجا أو طليقا أو أبا أو معيلا، فهذا فيه دوران في فلك العقلية الفقهية الزميتة التي تفسر الأشياء برغباتها وعواطفها وليس بعقلها، فعوض أن تدافع الإصلاحات عن تحسين شروط ولوج المرأة للمجتمع وللسياسة وللاقتصاد الذي هو مربط احتكار العقلية الذكورية بطرفيها؛ عوض أن تفتح مجالات ولوج سوق الشغل للمرأة وجعله لها بشروط تفضيلية لتنمية ثروتها لتصون كرامتها بعيدا عن لقمة يتبعها المن والأذى الذكوري، عوض التمييز الضريبي للنساء كما كان التمييز الإيجابي في ولوج الحقل السياسي أو ربما ذلك كان لمجرد تزكية العقلية ذات الخلفيات الزميتة من يمين ويسار ليمرر خططه على سلبها كل شيء مقابل صمتها. فكيف بزوج لم يستطع القيام بواجباته الجنسية والمالية والدينية؛ وهي معه في بيت الزوجية ويدفع الكل كل ما لديه وهي شاهدة سيصلح وضعها بعد الانفصال بالجزء أي إصلاحات ترمى للمرأة لإلهائها عن حقوقها عن مشاركتها بثروتها في بناء الأسرة على قدم وساق مع الرجل وعلى أهليتها الاجتماعية لتدبر مع الزوج مصالح الأبناء أثناء الزواج وبعده أي أثناء الطلاق؟ أليس هناك إصلاح ينصف المرأة دون أن يكون فيه جناية على امرأة أخرى هي هواجس تسكن الشارع المغربي برجاله ونسائه مع كل إصلاح المدونات؟ هل يصلح وضع المرأة والأبناء بشكل موضوعي يعالج الخلل من الأصل يسمح للمرأة بتنمية ثروتها واستقلالها الاقتصادي بعيدا عن أحوالها الشخصية؟