الذي عضه الحنش من الحبل يخاف تخوفات المغاربة من إصلاحات مدونة الأسرة

بقلم عبد العزيز الكواطري:

هناك حراك محموم  على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي النوادي والمقاهي والشارع، فلا حديث إلا عن إصلاحات مدونة الأسرة إصلاحات للمرة الثانية، ورغم ما يظهر من قراءات غير دقيقة لنصوص المدونة، فالمثل يقول الذي عضه الحنش من الحبل يخاف، فإصلاح المدونة انطلق في نسخته الأولى ورغم أنه كان إصلاحا راعى بعض خصوصيات الأسرة المغربية التي تعد كأهم مؤسسة لم تطلها الإصلاحات المتسرعة، بل ظلت محمية بالشريعة الإسلامية وباجتهادات الفقه الملكي المنفتح الذي أمن للأسرة المغربية حقوقا لم تنعم بها في أي نصوص تشريعية قديمها وحديثها في العالم بأسره، وواكبتها اللمسات الحاسمة لإمارة المؤمنين بما يضمن تطويرها من الداخل وبرضى جميع أطياف المجتمع المغربي، لكن إصلاحات مدونة الأسرة السابقة خلفت شروخا عميقة داخل الأسرة المغربية من ارتفاع نسب الطلاق بشكل كبير، ولا داعي لذكر الأرقام فهي رائجة وفي حكم المتواتر، وارتفاع معدل سن العزوبة إلى 32 سنة عند الذكور و27 سنة عند الإناث، وبينما كانت تنحو الإصلاحات إلى مجرد الحد من سن الزواج المبكر، وإيقاف نزيف تزويج القاصرات انقلب السحر على الساحر وكادت الإصلاحات تطبق نصوصها على العوانس وعلى مرحلة دخول سن اليأس! وكان عليها ضمنيا أن تضع سنا تلزم فيه الذكور بالزواج والإناث أيضا، فإذا كانت الإصلاحات السابقة لمدونة الأسرة تركت الكثير والكثير من مظاهر تفكك، وانحلال الأسرة المغربية، التي نقول أنها لم تعاني في شكل ظاهرة اجتماعيات من تصدع العلاقات الأسرية، بل عانت من صعوبات اقتصادية من ظروف البيئة الصعبة نعم، ومن … فالمغاربة مع إصلاح مدونة الأسرة الجديد كمن واقع تحت تأثير من “عضه الحنش من الحبل يخاف” فمادامت الإصلاحات السابقة فعلت الأفاعيل بالأسرة المغربية، وشردت أبناءها، ورفعت نسب الطلاق، فكان لزاما للمغاربة أن يقرأوا مشهد الإصلاحات بعين خائفة متوجسة؛ لأن الإصلاحات لم تنصب على فك الارتباط مع الإصلاحات السابقة وتقوم بإلغائها، لإزالة السلبيات التي ظهرت على إثر تطبيقها، بل جاءت بإصلاحات، وإصلاحات من قبيل الحضانة للزوجة ولو بعد تزوجها، من قبيل السكن للزوجة بالمطلق توزجت أو لم تتزوج، دون النظر لمن يريد الطلاق، ومن قبيل النفقة المستمرة في الزمان، وهناك أشياء أخرى تروج في مواقع التواصل الاجتماعي أدهى وأمر، فمن يا ترى يطمئن الأسر المغربية أن هذه الإصلاحات كما يظهر من النص؛ إنها ليست هي ما سيكون عند التطبيق، بل بعيوب التطبيق؟ ولا سيما أنها لم تلغ إصلاحات مدونة الأسرة السابقة التي هي جزء من المشاكل المستحدثة داخل الأسرة المغربية. هذا وغيره يطول الحديث عنه جعل مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى حملة مهولة؛ للتراجع عن مشاريع زواج كانت قيد التنفيذ، وهنا تحضرنا مقولة رجاء غارودي المفكر الفرنسي الذي يقول “إذا تجرأت أن أقول أن عيوب شعب ما دائما ما تكون مخبأة في أسس تشريعه” فبداية أي تجديد تكون بقتل الماضي درسا فنحن وبترسنة فقهية كاملة من الفقه المالكي، والذي كان منهلا تشريعيا عظيما للمملكات المغربية المتعاقبة على حكم المغرب وإلى المملكة العلوية الشريفة لن تكن في حاجة لاستراد التشريعات والإصلاحات، فنحن المشتل الذي يجب المحافظة على نقاوته لينهال منه كل شارد ووارد في الغرب والشرق، ومن يحكم المغرب هم أحفاد رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم أدام الله فضلهم وفيأهم، وهم الأقرب إلى النبع الصافي لما جاء به من قيم التعايش وبناء المؤسسات وعلى رأسها مؤسسة الأسرة.

وختاما نقول أن الأسرة المغربية تتطلع لإصلاحات موضوعية تستجيب لمشاكل الأسرة الحقيقية؛ والتي هي ماتزال كمؤسسة متماسكة أكثر من أية مؤسسة أخرى، وتعيش على وضوح كاف وفق مورثها الفقهي وأن الاستثناء لا يقاس عليه، فهناك مشاكل ولا تشكل ظاهرة اجتماعية لتكون مدار إصلاحات متتالية ودورية تنبئ بأن هناك أزمة اجتماعية وراءها الأسرة المغربية، فالطلاق موجود ولن تزيله التشريعات، والزواج موجود ولن تفرضه القوانين والإصلاحات, يجب أن لا تخضع الإصلاحات للبعد العاطفي والأمثلة المنتقاة، بل يجب أن يكون إصلاحا عقلانيا مرتبطا بظاهرة اجتماعية عامة ولذا على الإصلاح في جوهره أن ينصب على خلق خلايا للتحكيم والاستماع للطرفين الزوج والزوجة ولم الأبناء والحامة والحمو؟ خلق صناديق لتمويل ضحايا حالات الطلاق، ولن تعدم الدولة الوسيلة لتوفير مؤنته، خلق خلايا لتأهيل الشباب والشابات للزواج، خلق خلايا لعلاج أثر فشل تجارب الزواج. تأهيل منظمات مستقلة للتربية الجنسية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.