السكوت الإلكتروني… عندما تُخترق السيادة وتغيب المساءلة
بقلم: أنيسة الوردي
في سابقة رقمية مقلقة، تعرض الموقع الرسمي لوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات لاختراق سيبراني نفذته مجموعة جزائرية تُدعى “جبروت”، واضعةً بذلك إحدى واجهات الدولة الرقمية تحت رحمة الفوضى، في وقتٍ اكتفت فيه الوزارة المعنية بالصمت، تاركة المجال لردود باهتة لا تليق بحجم الحدث.
ما وقع ليس مجرد حادث تقني عابر، بل هجوم سيبراني ذو أبعاد سياسية خطيرة، استُخدم فيه الفضاء الرقمي كسلاح لإهانة مؤسسة حكومية مغربية، ولبث رسائل استفزازية مست سيادة البلاد ورمزيتها. ورغم ذلك، جاءت ردة الفعل الرسمية باردة، تائهة بين التنصل والتبرير، من خلال تصريح منسوب إلى “مصدر مسؤول”، حاول أن يُقلل من شأن الحادث بالقول إن الموقع “لا يتضمن معطيات حساسة”
كأننا أمام مدونة شخصية، لا بوابة رسمية لوزارة يُفترض أن تقود مشاريع الإدماج الاقتصادي وتشغيل الكفاءات في بلد يطمح للتحول الرقمي.
هذا التبرير المهزوز لا يخفي فقط ضعف الحماية المعلوماتية، بل يكشف هشاشة في الوعي السياسي والأمني لدى بعض المسؤولين، الذين يجهلون – أو يتجاهلون – أن الأمن السيبراني لم يعد تفصيلاً تقنياً، بل أحد الأعمدة الجديدة لسيادة الدول.
الأخطر من ذلك أن الجهة المخترِقة لم تكتفِ بالاختراق، بل عمدت إلى نشر خريطة استفزازية تمس الوحدة الترابية للمغرب، في تحدٍ واضح لثوابت المملكة. ورغم هذه الرسائل العدائية، اختارت الوزارة التجاهل بدل الحزم، والتبرير بدل المحاسبة، متخلية عن أبسط واجباتها في الدفاع عن مؤسستها، وكرامة موظفيها، وصورة البلاد التي تم العبث بها على مرأى العالم.
وبينما التزمت الوزارة الصمت، تسابق الإعلام الجزائري إلى تسييس الحادث، مقدّماً الاختراق كـ”نصر رقمي” و”غنيمة سيبرانية”، مرفوقة بمعطيات حساسة وأجور موظفين مغاربة، في خطوة دعائية واضحة تستغل الثغرة التقنية لضرب المغرب معنوياً.
في خضم هذا كله، يغيب الوزير المعني عن المشهد، رغم أنه لا يفوّت مناسبة للحديث عن الرقمنة والمقاولة والشغل… فإذا به اليوم مكشوف أمام أول امتحان رقمي حقيقي. رقمنة بلا حصانة، وخطاب بلا مضمون، وتدبير بلا رؤية.
فهل يُعقل أن وزارة تعنى بالكفاءات، تعجز عن حماية نظامها المعلوماتي؟ وهل يجوز أن نُسلّم مفاتيح فضائنا الرقمي لخصوم وحدتنا، دون حتى توضيح أو اعتذار أو خطة واضحة لاحتواء الفجوة؟
ما نحتاجه اليوم ليس مجرد ترقيع مؤقت، بل يقظة سيبرانية جادة تُعيد الاعتبار للأمن الرقمي كمكون من مكونات السيادة الوطنية. فالحروب الحديثة لا تُخاض بالسلاح فقط، بل بالمعطيات، بالصورة، وبالثقة التي يفقدها المواطن حين يرى مؤسسات بلده تُخترق دون مقاومة.
الرقمنة مسؤولية، والأمن السيبراني ليس ترفًا مؤسساتيًا، بل ضرورة وطنية، وعلى الجهات المعنية أن تدرك أن أولى خطوات التنمية تمر عبر بوابة السيادة الرقمية.