الملك العام بين الاستغلال العشوائي وضرورة الحماية
بقلم: الأستاذة أنيسة الوردي
تشهد مدينة سطات، كسائر مدن المملكة، حملات متكررة لتحرير الملك العام، الذي بات عرضة للاستغلال غير القانوني من قبل جهات متعددة، وكأن الاستيلاء عليه أصبح “حقًا” مكتسبًا لدى البعض ممن يعتبرون أنفسهم فوق القانون. ورغم أن الملكية الخاصة تخضع لقوانين واضحة، فإن الملك العام يظل ملكًا مشتركًا بين المجتمع والدولة، التي تتحمل مسؤولية تدبيره وحمايته.
إن استغلال الفضاء العام دون وجه حق يعكس غياب الوعي الجماعي بمفهوم الديمقراطية والحرية، ما يؤدي إلى تفشي العشوائية في دول الجنوب، مقابل التنظيم الصارم في دول الشمال، مثل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا. وهنا، تبرز مسؤولية الأحزاب، والهيئات المدنية، والسلطات المنتخبة، إذ إن ضعف دورها التأطيري يجعل تعاملها مع هذا الملف محدودًا، وتغلب عليه الحسابات الانتخابية، مما يطرح تساؤلات حول دورها الحقيقي في تدبير الشأن العام.
يُعد الفضاء العام، بكل مكوناته من أزقة وشوارع وساحات ومساحات خضراء، ركيزة أساسية في حياة المواطنين، حيث يؤثر بشكل مباشر على نفسيتهم ورفاههم. ولذلك، أقرّت المنظمات الدولية معايير تفرض على الدول توفير حد أدنى من هذه الفضاءات لكل فرد، ما يستدعي تجند الجميع لحماية هذا الحق.
من المستفيد من احتلال الملك العام؟
في سطات، كما في باقي المدن المغربية، تُنفّذ حملات دورية لتحرير الملك العام، لكنها غالبًا ما تواجه تحديات كبيرة، إذ يعاد احتلال هذه الفضاءات فور انتهاء الحملات، رغم الجهود المضنية التي تبذلها السلطات. بل إن الأمر تفاقم ليصل إلى الاعتداءات الجسدية على رجال السلطة، ما يستدعي نهجًا أكثر صرامة واستدامة لضمان عدم تكرار هذه الظاهرة.
وهنا، يظهر الدور المحوري لأعوان السلطة، الذين يُعدّون العنصر الثابت في الإدارة الترابية، نظرًا لمعرفتهم الدقيقة بالمتجاوزين على الملك العام. وهذا يثير تساؤلات حول مدى التزام بعضهم بأدوارهم، خاصة في ظل وجود حالات يُشتبه في تواطئها مع بعض الفاعلين المحليين.
حلول مستدامة لحماية الفضاء العام
للقضاء على هذه الظاهرة، لا بد من اتخاذ إجراءات صارمة، من بينها:
حملات توعوية لتعزيز ثقافة احترام الفضاء العام.
استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل الطائرات المسيّرة (Drones) لمراقبة الفضاءات العامة، بدلًا من الحملات المتكررة والمكلفة.
تشديد العقوبات من خلال فرض غرامات مالية كبيرة ورادعة على المخالفين.
تنظيم الاستغلال المؤقت للفضاء العام، كما هو معمول به في العديد من الدول المتقدمة، من خلال تحديد أماكن وأوقات معينة للأسواق الجائلة، وفق احتياجات السكان.
إن الحفاظ على الملك العام مسؤولية مشتركة، تعكس مدى رقي المجتمع ووعيه، لذلك يجب التصدي لكل أشكال استغلاله العشوائي، والتعامل معه كحق أساسي لا يمكن المساس به تحت أي ظرف.