المغرب اليابس: بين الفساد والإصلاح – قراءة في الواقع والمآلات

 

بقلم: أنيسة الوردي

في ظل التحولات السياسية والاقتصادية التي يعرفها المغرب، يبقى الفساد واحدًا من أكبر العوائق التي تحول دون تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة. فمنذ عقود، يتحدث الجميع عن ضرورة الإصلاح، لكن الأرقام والوقائع تكشف عن منظومة فساد متجذرة تستنزف مقدرات البلاد وتعرقل مسار العدالة الاجتماعية.

50 مليار سنويًا في مهب الريح

عندما نتحدث عن الفساد، فنحن لا نتحدث عن ظاهرة عابرة أو أفعال معزولة، بل عن شبكة متشابكة من المصالح التي تستهلك 50 مليار درهم سنويًا، تذهب إلى جيوب الفاسدين بدل أن تُستثمر في تحسين الخدمات العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذه الأرقام ليست مجرد تقديرات، بل هي مؤشرات على واقع مرير يُعيق التقدم الاقتصادي ويُكرس الفجوة الطبقية في المجتمع.

الفساد في المغرب ليس فقط قضية مالية، بل هو منظومة متكاملة تشمل سوء تدبير الموارد، غياب المساءلة، وضعف الشفافية، مما يؤدي إلى تدهور الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والبنية التحتية.

من يحب الملك عليه الجهر بالحقيقة

قالها محمد الساسي ذات يوم، وأصبحت قاعدة لكل وطني غيور: “من يحب الملك عليه الجهر بالحقيقة”. فالولاء الحقيقي لا يكون بالتملق، بل بقول الحق والعمل على كشف الاختلالات التي تعيق مسار التنمية. ومحاربة الفساد ليست معركة الدولة وحدها، بل هي مسؤولية كل مواطن حر يطمح إلى مستقبل أفضل.

المشكل ليس فقط في وجود الفساد، بل في التساهل معه، وفي غياب آليات فعالة للرقابة والمحاسبة، إذ تبقى العديد من الملفات طي النسيان بسبب تغلغل المصالح الضيقة داخل مؤسسات الدولة.

تقوية المجتمع المدني: الحل المغيّب

من المبادئ المتعارف عليها عالميًا في محاربة الفساد هو تقوية أدوار المجتمع المدني في المراقبة والتبليغ. فالدولة، مهما بلغت جهودها، لا يمكنها وحدها مراقبة كل الاختلالات، ولهذا تحتاج إلى مجتمع مدني قوي ومستقل قادر على كشف التجاوزات والمساهمة في بناء ثقافة الشفافية والمحاسبة.

لكن في المغرب، لا يزال المجتمع المدني يعاني من تضييقات تحدّ من قدرته على أداء دوره الرقابي، سواء عبر القوانين المقيدة أو المضايقات التي يتعرض لها النشطاء. فبدل أن يكون شريكًا في الإصلاح، يتم التعامل معه في كثير من الأحيان كتهديد، مما يفرغ الجهود المبذولة من محتواها.

الإصلاح بين الواقع والشعارات

يكثر الحديث عن الإصلاح، لكن الواقع يكشف أن الإصلاحات غالبًا ما تكون شكلية، أو تستهدف الفئات الضعيفة بدل ضرب بؤر الفساد الحقيقية. فالتجارب السابقة أثبتت أن الخطابات الرنانة حول محاربة الفساد لا تتحول دائمًا إلى إجراءات عملية، وهو ما يعزز الشعور بالإحباط لدى المواطن المغربي.

إذا أرادت الدولة حقًا محاربة الفساد، فعليها:

1. تمكين المجتمع المدني من آليات فعالة للمراقبة والتبليغ دون خوف من الانتقام.

2. تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب عبر محاكمة عادلة وشفافة لكل المتورطين في الفساد.

3. تعزيز استقلالية القضاء ليكون قادرًا على محاسبة الفاسدين دون تدخل سياسي.

4. نشر الشفافية في تدبير المال العام عبر رقابة شعبية وإعلام حر قادر على كشف التجاوزات.

 

خاتمة: أي مستقبل؟

المغرب اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يختار طريق الإصلاح الحقيقي، أو يستمر في إدارة الأزمات بنفس الأدوات التقليدية التي أثبتت فشلها. والمواطن المغربي لم يعد يقتنع بالشعارات، بل يحتاج إلى أفعال ملموسة تقطع مع الفساد وتؤسس لمستقبل تسوده العدالة والشفافية.

فالولاء الحقيقي للوطن ليس بالصمت عن الفساد، بل بالوقوف في وجهه والجهر بالحقيقة، مهما كان الثمن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.