إقالة البشير الراشدي.. صراع التقارير والسلطة

بقلم: الأستاذة أنيسة الوردي

في 8 أكتوبر 2024، قدّم محمد البشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، تقريره السنوي، كاشفًا عن تكلفة الفساد الثقيلة التي تتجاوز 50 مليار درهم سنويًا، ما يعادل بين 3.5% و6% من الناتج الداخلي الخام. تقرير لم يكن عاديًا، بل أشعل موجة انتقادات في الأوساط السياسية، خاصة من طرف بعض نواب الأغلبية البرلمانية، الذين رأوا فيه تهديدًا لصورة الحكومة.

لم يكن الهجوم على الراشدي مقتصرًا على النواب، بل امتد إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي انتقد التقرير بشدة، معتبرًا أن الهيئة تتحدث عن الفساد بشكل عام دون تقديم أسماء أو أدلة واضحة، وهو ما اعتبره اتهامًا غير مسؤول. وقد شدد وهبي على أن المؤسسات التي تتهم بوجود فساد عليها أن تقدم ملفات دقيقة للجهات القضائية، بدل الاكتفاء بنشر معطيات عامة تضر بصورة الدولة.

الخلاف بين الراشدي ووهبي لم يتوقف عند التقرير، بل امتد إلى مشروع قانون المسطرة الجنائية، حيث رفض الراشدي بعض البنود التي دافع عنها وهبي، معتبرًا أنها تقيد حرية جمعيات حماية المال العام والمواطنين في التبليغ عن المسؤولين المشتبه في تورطهم في الفساد. هذا الخلاف زاد من حدة التوتر بين الهيئة ووزارة العدل، وجعل الراشدي في موقف صعب أمام السلطة التنفيذية.

في 24 مارس 2025، جاء القرار الرسمي بإعفاء محمد البشير الراشدي من منصبه، وتعيين محمد بنعليلو، وسيط المملكة السابق، خلفًا له. وجاءت هذه الخطوة في سياق سياسي مشحون، حيث اعتُبر القرار بمثابة رد مباشر على مواقفه الصارمة في ملف محاربة الفساد.

لكن الأمر لم يتوقف عند الإقالة، فقد تزامن القرار مع خطوة أخرى أثارت جدلًا واسعًا، وهي تقليص ميزانية الهيئة بنحو 60 مليون درهم في قانون المالية لسنة 2025. هذا التخفيض طرح تساؤلات عميقة حول مدى التزام الحكومة بمكافحة الفساد، وهل هو مجرد شعار سياسي أم أولوية فعلية؟

إقالة الراشدي ليست مجرد تغيير إداري، بل تعكس صراعًا أعمق حول استقلالية المؤسسات الرقابية في المغرب. فهل نحن أمام مرحلة جديدة من التضييق على مؤسسات الرقابة، أم أن الحرب ضد الفساد لا تزال قائمة رغم العواصف السياسية؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الحقيقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.