دائرة غفساي.. بين إرث سياسي طويل وواقع تنموي متعثر
بقلم ✍️ الاستاذة أنيسة الوردي
إذا كانت جماعة تافرانت نموذجًا لمعاناة ساكنة دائرة غفساي، فإن الوضع لا يختلف كثيرًا في باقي الجماعات المجاورة، حيث تتقاطع نفس المشاكل: بنية تحتية متدهورة، تعليم متعثر، خدمات صحية محدودة، وضعف في توفير الماء والكهرباء. رغم عقود من التمثيل السياسي، لا تزال التنمية غائبة، والساكنة تتطلع إلى تغيير حقيقي يضع حاجياتها في صلب الأولويات.
سياسيون راكموا المناصب.. ولكن ماذا عن الإنجازات؟
في مختلف جماعات دائرة غفساي، يتكرر نفس السيناريو: رؤساء جماعات وبرلمانيون قضوا سنوات طويلة في المسؤولية، لكن أثرهم على التنمية المحلية يظل محدودًا. فرغم توفر البعض على نفوذ سياسي وشبكات علاقات واسعة، إلا أن المشاريع التنموية إما غائبة أو متعثرة، بينما تظل الملفات الكبرى مجرد وعود انتخابية مؤجلة.
التعليم: فصول مكتظة وتجهيزات منعدمة
في العديد من دواوير غفساي، لا يزال التعليم يعاني من اكتظاظ غير مقبول، حيث يتكدس التلاميذ من مستويات مختلفة في قسم واحد، وسط نقص في التجهيزات وانعدام المرافق الصحية. كيف يمكن لأطفال المنطقة أن يحلموا بمستقبل أفضل في ظل ظروف تعليمية كهذه؟
البنية التحتية: طرق غير صالحة واستثمارات غائبة
في تافرانت، الوردزاغ، سيدي يحيى بني زروال، تمزكانة، كيسان، كلاز وغيرها، تعاني الطرقات من وضع كارثي، حيث تتحول إلى مسالك وعرة بمجرد سقوط الأمطار. بعض الطرق يتم ترقيعها بسرعة دون احترام معايير الجودة، مما يجعلها غير صالحة للاستعمال بعد فترة وجيزة.
طريق تافرانت-غفساي: تدهور مستمر رغم عمليات الإصلاح المتكررة.
طريق الوردزاغ-كيسان: وضعها كارثي، مما يعيق تنقل السكان ويؤثر على النشاط الاقتصادي.
طريق كلاز-سيدي يحيى بني زروال: اهتراء كبير يجعل المرور صعبًا، خاصة في فصل الشتاء.
طريق تمزكانة: مشاريع الإصلاح متوقفة، والأشغال لا تكتمل بالشكل المطلوب.
في ظل هذه الأوضاع، لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية ما دامت البنية التحتية غير قادرة على تلبية أبسط احتياجات الساكنة.
الماء والكهرباء: أزمة متواصلة رغم الوعود
منذ سنوات، تم الإعلان عن مشاريع لتزويد دواوير الجماعات بالماء الصالح للشرب، إلا أن الواقع لا يزال يعكس تفاوتًا كبيرًا، حيث تعتمد بعض الأسر على الآبار التقليدية، بينما تعاني أخرى من انقطاعات متكررة بسبب ضعف البنية التحتية الكهربائية، خاصة في كيسان وكلاز، حيث تعاني بعض المناطق من محولات كهربائية ضعيفة لا تتحمل الضغط اليومي.
الصحة: تنقل طويل بحثًا عن العلاج
في دائرة غفساي، يظل الحصول على الخدمات الصحية تحديًا يوميًا، حيث تعاني المستوصفات من نقص في الأطباء والتجهيزات، مما يضطر المرضى إلى التنقل لمسافات طويلة بحثًا عن العلاج، في ظل غياب حلول محلية تخفف من معاناة الساكنة. في بعض المناطق، لا يتوفر حتى مستوصف واحد، مما يجعل التنقل إلى غفساي أو تاونات أو حتى فاس الحل الوحيد، وهو أمر مرهق ومكلف للكثير من العائلات.
سياسة الولاءات مقابل التنمية المفقودة
يتساءل البعض: لماذا يستمر هذا الوضع رغم الاحتجاجات والمطالب المتكررة؟ الجواب يكمن في أن بعض المناطق لا تزال تخضع لمنطق الولاء السياسي بدل تقييم الإنجازات، حيث يتم تجديد الثقة في المسؤولين بناءً على اعتبارات شخصية أو حزبية، أكثر من البحث عن الكفاءة والقدرة على تحقيق التنمية.
نحو رؤية تنموية جديدة لدائرة غفساي
إن التنمية الحقيقية لا تتحقق بالخطابات والشعارات، بل تتطلب التخطيط الجيد، والمحاسبة الفعلية، والاستثمار في الإنسان والبنية التحتية. اليوم، تحتاج دائرة غفساي إلى مسؤولين يحملون رؤية واضحة، وإلى وعي مجتمعي يجعل التنمية المعيار الوحيد لتقييم الأداء السياسي.
ربما آن الأوان لكي تقول الساكنة كفى من التسيير العشوائي! وتطالب بمشاريع تنموية جادة، تحفظ كرامة المواطن، وتضع حدًا لمظاهر التهميش التي تعاني منها المنطقة لعقود.