ما موقع الفعل الثقافي في مشهد مدينة الهامش تاونات هل نحن أمام قمامة ثقافية
بقلم عبد العزيز الكواطري:
تاونات أية ثقافة تريد؟ هل ستظل تاونات تعيش على قشور قمامة ثقافية لم تعد تستجيب لتطلعات كافة أطيافها خاصة الأطفال والشباب والمرأة من فاعلين ثقافيين ضاقوا ذرعا بثقافة التفاهة والشطيح والرديح والتسطيح؟ أم ستسارع الجهات المعنية والمهتمة بالشأن الثقافي إلى الاستجابة إلى تخليق المشهد الثقافي الذي عرف انتعاشة لا نقول متوسطة فهذا بعيد المنال بل ضعيفة، والتي دشنتها مجموعة من الجمعيات الثقافية، وجمعيات المجتمع المدني، والرياضي المطبوع بالموسمية، والتي تتحرك بصعوبة بالغة في ظل شح مواردها المالية وغياب التمويل من الجهات المفروض فيها أن تكون مبادرة ليس للتمويل، بل للانخراط والمشاركة الفعالة وتأطير المشهد الثقافي، وفك العزلة الثقافية عن شباب، ونساء، وأطفال مدينة المقدمات.
القمامة الثقافية لا تصلح إلا للهجران.
إذا كانت الثقافة المغربية تعد غنية غنى لا يماري فيه أحد من معمارها، وملابسها، وفنونها، وآدابها، وفلكلورها الشعبي، فكل ذلك الغنى في تاونات لا تلمس منه شيئا، فالمعمار في مدينة فقيرة متروك للطابع القروي والعشوائية، والملابس فهي ليست بمدينة ذات التقليد العريق لتحتفي بالقفطان والجلباب، وحتى الجلباب الذي اشتهرت به إحدى مناطقها وهي منطقة أولاد أزام، فهو في طور الانقراض كما انقرضت باقي المنسوجات من بطانية يزامية وتليس، والحبل على الجرار، وفنونها الشعبية لم يعد هناك أي اهتمام بها، فأصبحت مهجورة، وانقرضت بدورها، والآداب لا وجود له إلا في صورة فلكلور شعبي من حكايات، وطقوس ارتبطت في أغلبها بمواسم الأضرحة، وإن كانت إحدى الجمعيات بمنطقة الزريزر حاولت إحياء التراث اللامادي في جانبه الشفهي الحكاية الشعبية فالتجربة أجهز عليها، وحتى الفضاء الذي كانت تستغله لهذا النشاط انتزع منها إذا ماذا بقي لتاونات مدينة المقدمات؟
هنا جاءت سلة القمامة الثقافية؛ الملوءة بالضجيج الذي تجازو حد الترفيه عن النفس إلى روتين موسمي كان يمكن لو رشد، وجاء على هامش محطات ثقافية حقيقية، أن يكون كملح الطعام يضفي عليها رونقا خاصا، ويظهر مخزونها من الموسيقى والطرب؛ لكن طغى الملج وذهب الطعام. ارتفعت القمامة الثقافية، وسيطرت على المشهد الثقافي، وانتهى الفعل الثقافي الجاد، والذي يمكن أن يعبر عن تطلعات أطفال، وشباب، ونساء المدينة القروية، فلا تهجر ويتناقص عدد سكانها كما كانت تيجة إحصاء السكان الأخير، ولا ينتحر شبابها وفتياتها حتى تصبح من بين أكثر الأقاليم التي تعرف ظاهرة الانتحار.
الفعل الثقافي والإبداعي الرائد الذي هو رافعة تنموية لمدينة مقدمة الريف.
فتاونات لم تعدم الفعل الثقافي، فقد كانت منارة وشعلة ثقافية في الثمانينيات والتسعينيات، وكانت جمعيات في شتى الفنون من مسرح وشطرنج؛ نشطة وبقوة تؤطر الأطفال، والشباب، والنساء، لكن ذلك الجيل أمام ضعف اهتمام الداعمين وجسامة تضحياته هجر الحقل الثقافي، وأصبحت تاونات تعيش فترة طويلة من الجدب والقحط الثقافي، وتفطن بعض الغايورين على المشهد الثقافي، وقاموا بتأسيس مجموعة من الجمعيات الثقافية وجمعيات المجتمع المدني المتطلعة للبناء؛ لبناء المشهد الثقافي وإعادة أمجاد الرواد، لكن كل محاولاتها جابهتها عراقيل الاستمرار، وكان لغياب اهتمام الجهات الرسمية المسؤولة من فاعلين سياسيين واقتصادين عن المشهد الثقافي الأثر البالغ على تفككها، فبينما نجد الجمعيات الثقافية في كثير من المناطق من ربوع المملكة الشريفة تحضى بالدعم اللازم لأنشطتها الثقافية والإشعاعية؛ فهذا لا يسري على كل جمعيات تاونات بل قد يستفيد بعضها.
نداء عاجل تاوناتي فلا يقرأ .
فأطفال وشباب ونساء تاونات يدعون الجهات السياسية والمتدخلين الاقتصادين لدعم الحقل الثقافي بشكل مؤسساتي يضمن انتعاشته واستمراريته بعيدا عن أية حسابات. فالثقافة ليست لأحد بل هي للكل، وتاونات الهامش محتاجة لواجهة، ولم واجهات ثقافية تعرف بها، وبإنسانها وبيئتها، وتعرف إنسانها بنفسه، وبأدوار أجداده في الذود عن قيم استقلال الوطن في مسيرة الجهاد الأصغر، وبدء مرحلة الجهاد الأكبر بناء الإنسان التاوناتي المنخرط في بناء وطنه من طنجة للكويرة، فلابد لتاونات من ملتقيات أدبية وعلمية وإشعاعية مختلفة مدعومة بشكل كامل من الجهات المسؤولة عن الشأن الثقافي قبل أن تصبح مدينة لا تصلح ولو لمحاربة الأمية.