رواية جرعة أمل للتلميذة فاطمة الزهراء شراط والصراع الغير المتكافئ بين المرأة
بقلم الأستاذ عبدالعزيز الكواتري
رواية جرعة أمل للتلميذة فاطمة الزهراء شراط والصراع الغير المتكافئ بين المرأة والرجل.
يمكنني أن ألخص لكم انطباعاتي من خلال قراءتي الأولية في العمل الإبداعي جرعة أمل، الذي أنتجته التلميذة فاطمة الزهراء شراط، واختارت أن تصنفه عملا روائيا، فلا يسعني وببحر زاخر بالتفاؤل إلا أن أقول: الأطفال مبدعون رفعت الأقلام وجفت الصحف!
التشابك والتداخل الشبقي بين ذاتي الناقدة والمبدعة لرواية جرعة أمل:
يظل الطفل شجرة تغطي الغابة عندي، لأن تجربتي مع الأطفال والتي امتدت إلى خمسة وعشرين عاما من العمل معهم بكل حب وتفان، علمتني أن المرحلة الذهبية لولوج عالم الإبداع هي مرحلة الطفولة، فالطفل بخيالاته المنفلتة بخربشاته المرتجلة بخياله الغامض واللامحدود مبدع بالفطرة، وإنما تأتي الكوابح من الآخر؛ من المجتمع والبيئة من الأشكال مشوهة عن التربية والأخلاق والقيم. هذا هو ما وضعت التلميذة المبدعة فاطمة الزهراء شراط اليد عليه، وحاولت في أسلوب قصصي، وبنفس سردي آت ليقول هآنذا. فرواية جرعة أمل صرخة في وجه القيد والتكبيل؛ في وجه حساب الأنفاس على من حولنا دون أن نضع في اعتبارنا أن نجرب مرة واحدة في أن نضع أيدينا في القيد الذي اخترناه للآخرين، فجرعة أمل لا أقول ثورة على القيم البالية، فهي لا ترتقي إلى ذلك ولو ادعاء، ولكن فيها لمسة من ذلك إنها تمرد وصعلكة ناشئة، هنا رصدت لكم تداخل ذاتي كمحب للإبداع منذ طفولتي، وبين ذات الكاتبة التي حققت رغبتي في كونها مبدعة في مرحلة طفولتها، وبكل معنى كلمة إبداع.
رواية جرعة أمل بين البعد القصصي والنفس السردي:
وأقول لكم أن هذه التجربة التي بدئت بقصة مؤطرة بزمن مقلوب، بينما هو يربط الساعة إلى الواحدة والنصف في الزمن الفزيائي أي المساء نجد الصباح حاضرا في الزمن النفسي للبطلة؛ لتظل القصة موزعة بين واقع الأحداث الغارق في الظلام، ونظرة البطلة المتجاوزة لهذا الظلام بصباح نفسي مأمول؛ مازال طي الرغبة والكمون. لتروج (الروائية) في قصتها العنف الحاضر في الواقع، والسخرية منه في العالم الافتراضي في المسلسلات العربية، بينما تجد البطلة الأم تغيب الصورتين معا، لتروج لصورة إيجابية للأب فتتواطأ معها البطلة البنت عفراء في تبرير كل أعمال الأب اللامشروعة، لكن هذا التواطؤ سينكسر في دواخل البطلة، وتبدأ محاولة الانفلات منه في الواقع تبوء كل مرة بالفشل؛ لتجذر سلطة الأب ماليا وقانونيا، حيث يعيد الأسرة المتمردة عليه إلى سجنها الاختياري بيت الأسرة، لأن تلفيق الأب لتهمة السرقة لأفراد أسرته كما ورد في الرواية لما فرت خارج البيت بيت الطاعة العمياء؛ سيزج بها في سجن من نوع أخر؛ أي سجن المؤسسة السجنية، وتظل البطلة الورقية عفراء حبيسة تحرر لا تجسيد له إلا في الرغبة والكمون، وتبدأ مرحلة التخطيط للتحرر، وتهتدي إلى مقلب من وحي القصص البوليسية، لتجعل الأب يضعف، ويخاف ويفسح لها الطريق وحيدة لتخرج من البيت؛ من السجن الثقافي المفروض بقيم الأسرة الأبيسية، لتجد نفسها رغم أن الأب ميسور، وله دخل محترم من عمل غير محترم؛ من الاتجار في المخدرات، والإدمان عليها أيضا. تجد نفسها في الميتم أي الخيرية، ورغم المضايقات، فالأباعد كانوا أرحم من القريب من الأب، وهذا أمر غريب، فأين نحن من الأب المنافح الذائد عن بيته وأسرته! وبفضل متابعة البطلة لدراستها يتم لها تحقيق الذات، وإنقاذ الأم من معاناة تبدو عبثية؛ من لا مبالاة الأب، بينما يموت أخوها صفوان قبل التحرر، وتحقق البطلة حلمه بتنازلها عن حلمها هي، فتصبح محامية وهو حلم صفوان بينما البطلة عفراء كانت تحلم أن تكون طبيبة، فغياب ذكر في مستقبل الرواية يطرح أكثر من علامة استفهام، هل هو غير مؤهل للدفاع عن المرأة في عصر الرواية الافتراضي؟ أم لا يعنيه ذلك؟ أم كانت القصة وكاتبتها تحدس أن المدافع عن المرأة هو المرأة نفسها لا غير؟ لكن من سيداوي الأم والجرح القديم، والعادات والأعراف الموروثة؟ وقد تنازلت عفراء عن حلم أن تكون طبيبة ليس لتعالج الأمراض العضوية فحسب بل لتعالج ما هو أدهى وأمر الأمراض الاجتماعية والنفسية… هل سنكون أمام تجاوز وضع المرأة بشكل طفروي دون تشخيص طبي رصين؟ كل هذه التساؤلات تحاصر البطلة، ولاسيما أن الذكور بالقصة في أحسن الأحوال يغيبون بشكل طبيعي مثل صفوان، لما يغيبه الموت، بينما تصورهم أي الذكور الرواية جرعة أمل؛ أنهم سيئون بلا حدود؛ أب متسلط زميل في الثانوية يسرق الهاتف لفتاة، ويلفق التهمة للبطلة، قطاع طرق في الطريق الجانبي ذكورا، والمرأة دائما الضحية فوق العادة، وإيجابية تقاوم وتبحث عن التحرر لكن السؤال المؤرق، لماذا تنازلت بشكل عاطفي غامض عن حلمها لصالح حلم لم تختره وكان لأخيها صفوان الذكر!
النفس السردي في جرعة أمل:
نزلت قصة جرعة أمل بنفس سردي عميق، وطويل نسبيا ينبئ عن إرهاصات روائية قادمة، ولاسيما أن البطلة من لحم ودم تلميذة، وفي مقتبل العمر، تحترم إلى حد بعيد المنطق السردي للأحداث، هذا ما يجعلني متفائلا، بأن استمرار المبدعة بهذا النفس سيجعلها تتطور بخطو سريع، وأقول للقارئ بأنه سيأتي اليوم الذي ستقول ربما الروائية، وهي تلاحظ كم أصبحت أقوى، وأبعد عن خطوتها الأولى يا ليتني لم أخطو تلك الخطوة، لكن أقول كناقد أن لولا هذه الخطوة الصغيرة في جرعة أمل، لن يأتي ما بعدها أبدا، ولولا عين ناقد كبير مثل الدكتور إبراهيم ديب ما كنا نشعر بهذه التفاحة التي قطفناها باكرا. إذن جرعة أمل ستنمو في تربتها الخصبة ترعاها عين القارئ الذواقة الناقدة، لتطير بها في عوالم الإبداع الشبابي الذي يحتاج للاحتضان والتشجيع، ومن دون ذلك لن تكون هناك طفرة إبداعية في السرديات في الغرب العربي على غرار شرقه إلا بتشجيع وبكرم حاتمي الإبداع الشبابي وخاصة الإبداع في ثوبه المؤنث، لأن المرأة هي الأصل، قالتها نوال السعداوي الأديبة الكبيرة على ما أعتقد.
وفي الختام أتمنى أن تجدوا كقراء في رواية جرعة أمل الدافع الدائم نحو التفاؤل بالمستقبل وبالإبداع الشبابي.