إعادة البناء بعد الزلزال.. مهندسون يوصون بتحييد المخاطر والتمسك بالسكن التقليدي
مع مرور أزيد من شهر على زلزال الحوز، تتجه الأنظار إلى عملية إعادة البناء التي أطلقها المغرب في إطار استجابته السريعة لتداعيات الفاجعة التي عرفت نحو 60 ألف انهيار.
وتواجه هاته العملية مجموعة من التحديات، لعل أهمها على سبيل الذكر لا الحصر “عنصر الموروث الثقافي الجغرافي، وتشبث غالبية المواطنين بمواقع منازلهم التي هدمت أو تضررت رغم المخاطر الطبيعية التي تحوم من حولها”.
وأنشأت الحكومة المغربية “وكالة تنمية الأطلس الكبير”، التي تشرف على إعداد وإدارة برنامج إعادة البناء في حيز زمني يصل إلى خمس سنوات.
ومن أهم بنود هذا المشروع وفق الحكومة “احترام المعطى البيئي، وتراث وتقاليد الساكنة المتضررة، إلى جانب وضع ضوابط ومعايير البناء المقاوم للزلزال”.
مرحلة تحييد المخاطر
يطرح هذا البند إشكالية التوفيق بين السلامة والموروث الثقافي الجغرافي، التي حاول طارق ماكامان، مدير مكتب الدراسات الهندسية والكاتب العام لنقابة المهندسين المغاربة، الإجابة عنها بالقول إن “المرحلة الأولى من إعادة البناء ستهم مسألة تحييد الأخطار، التي من خلالها سيتم تحديد مدى سلامة الموقع الذي سيعرف عملية البناء من مختلف أنواع الأخطار الطبيعية”.
ويضيف ماكامان في حديث لجريدة أسرار تاونات أن “الهندسة المعمارية المغربية لها من القدرة والذكاء ما يسعفها أن تنجح في هذا التحدي دون اللجوء إلى نماذج خارجية مستوردة”.
ويرى مدير مكتب الدراسات الهندسية بمراكش أن “المقاربة يجب أن تكون شاملة وسليمة، لأننا لا نتحدث عن بيوت، بل عن مساكن لها جذورها الثقافية الموروثة منذ قرون”.
“نحن حاليا في مرحلة المقترحات وتقديم رؤى مناسبة لإعادة البناء، ومع مرور كل هذا الوقت ظهر أن أهمها تلك التي تعمل على استحضار جميع الأبعاد، من علم الاجتماع، والثقافة، والتاريخ، والهندسة والمعمار”، يقول المتحدث ذاته.
وتابع ماكامان تقديمه الخطوات المقترحة لإعادة البناء، إذ أورد أن “الخطوة الأخرى هي البحث عن ملاءمة الشق التقني مع مواد البناء المحلية، إذ تبين أن البناء بالخشب في هاته المناطق غير ممكن بسبب عدم وجوده هناك، كما أن البناء بالحجر غير ممكن في الأماكن التي بها الطين، والعكس صحيح”.
وفي حالة ما إن كانت المواد المتوفرة محليا غير صالحة للبناء، أجاب المتحدث عينه: “نقوم بحمل هاته المواد ثم نقوم بتطويرها في المختبرات التي نتوفر عليها حاليا، حتى تكون أكثر ملاءمة وصلابة وجاهزية لتحمل المخاطر الطبيعية”.
وفي سياق متصل شدد الكاتب العام لنقابة المهندسين المغاربة على أنه “تصعب إعادة البناء في حيز جغرافي يعرف أخطارا طبيعية، لذا سيكون على الساكنة الانتقال إلى حيز قريب وفي المنطقة نفسها لا يعرف أي مخاطر، وذلك دون الخروج من أرضهم”.
وفي الأخير كشف ماكامان أن “البناء بالإسمنت في هاته المناطق باهظ التكلفة، لأن تنقيله إلى دوار جبلي مثلا أمر مكلف، فيما توجد خبرة في البناء التقليدي لدى الساكنة التي تفضل المواد المحلية، وهي من الأطراف المهمة التي يجب إشراكها بقوة في هاته المرحلة”.
السكن التقليدي أفضل
الحفاظ على السكن التقليدي بأيادي خبراء البناء المحليين من أبرز وجهات نظر مراد الغيلالي، مهندس معماري وأستاذ باحث في الطوارئ المناخية والبناء الإيكولوجي.
ويرى الغيلالي، في تصريح لجريدة اسرار تاونات، أن “الحفاظ على السكن التقليدي مع بناء قوي وسليم هو من الحلول التي نضعها ونراها مناسبة للغاية في مرحلة إعادة البناء الحالية”.
ويعتبر المهندس المعماري ذاته أن “المرحلة الأولى التي يجب أن نبدأ بها هي معرفة الأخطار الطبيعية التي تحيط بمكان إعادة البناء، إذ يجب على المهندس أن يذهب بنفسه إلى المكان رفقة خبراء في الجيولوجيا الذين يحسمون في الأخير مكان البناء السليم”.
“ومن جملة الإشكالات الأخرى بعيدا عن تلك الطبيعية عائق تحديد الملكية، بحيث حتى لو قررنا إعادة البناء من سيوفر لهؤلاء الناس الأراضي؟”، يتساءل المتحدث عينه، قبل أن يستدرك بأن “إشكال فهمنا ثقافة الساكنة أيضا يعيق عملية إعادة البناء”.
وبخصوص إشكالية إعادة الترميم التي تعطي احتمال حدوث انهيار جديد في المنازل التي بقيت صامدة، شدد الغيلالي على أن “إعادة الترميم يقوم بها مختصون في المجال، كما أن هنالك فرقا بين البناء عبر الخرسانة والطرق التقليدية، باعتبار أن وجود تشقق في الطريقة الأولى قد يكون أخطر من ذلك المتواجد في الثانية”.
وفي هذا السياق كشف الأستاذ الباحث في الطوارئ المناخية والبناء الإيكولوجي أن “البناء بالإسمنت له أضرار مناخية كبيرة، إذ يتعارض مع الخصوصيات التي تعرفها الحياة في هاته المنطقة، لذا فالطريقة التقليدية تبقى الخيار الأفضل”، واسترسل شارحا بأن “الهدف الذي ندعو إليه هو تكوين من لهم خبرة في البناء لسنوات طويلة بهاته المنطقة في مجال البناء التقليدي على الطريقة الصحيحة، وهذه أفضل طريقة ممكنة”.