حدود وسقف المراجعة المرتقبة لمدونة الأسرة .. ضمانات ملكية وأماني حداثية

نزل تأكيد الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، على أن مراجعة مدونة الأسرة ينبغي أن تتم في إطار “مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، وأن يتم الاعتماد على فضائل الاعتدال، والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية”، بردا وسلاما على التيار الإسلامي المتراجع سياسيا خلال هذه المرحلة.

حدود وسقف الإصلاح

منذ خروج التوجيهات الملكية في موضوع إعادة النظر في مدونة الأسرة والأوساط المحافظة في البلاد يتملكها الخوف إزاء الموضوع، خصوصا مع تصريحات وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الذي يؤكد في كل مناسبة تشبثه بالدفاع عن أفكاره الحداثية والترافع من أجل تضمينها في النص المرتقب.

وزاد من خفض حدة مخاوف الإسلاميين المغاربة حديث الرسالة الملكية عن أن التأهيل المنشود لمدونة الأسرة يجب أن يقتصر على “إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى حوالي عشرين سنة، وعلى تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي والقوانين الوطنية”.

كما أكدت الرسالة أن المرجعيات والمرتكزات تظل “دون تغيير؛ ويتعلق الأمر بالمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب”. وشدد الملك محمد السادس على ثقته بأن إعمال فضيلة “الاجتهاد البناء هو السبيل الواجب سلوكه لتحقيق الملاءمة بين المرجعية الإسلامية ومقاصدها المثلى وبين المستجدات الحقوقية المتفق عليها عالميا”، مجددا التذكير: “كما أكدنا أكثر من مرة، فإننا، بصفتنا أمير المؤمنين، لا يمكننا أن نحل ما حرم الله ولا أن نحرم ما أحله جل وعلا”.

ضمانات ملكية

مصطفى الإبراهيمي، عضو المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، اعتبر أن أكبر ضمانة بالنسبة لحزبه والتيار الذي يمثله هي أن “هذه المسألة تأتي في إطار ما أكد عليه الملك بصفته أميرا للمؤمنين على أنه لن يحرم حلالا ولن يحلل حراما”.

وأضاف الإبراهيمي في تصريح لجريدة اسرار تاونات الإلكترونية: “هذا هو الإطار الذي ستتم فيه معالجة تعديل مدونة الأسرة بعد 20 سنة، وربما هناك بعض الاختلالات التي يمكن أن يكون فيها اجتهاد، أما كل ما فيه نص قطعي فلا يمكن أن يكون موضوع نقاش وغير وارد”.

وزاد القيادي في حزب العدالة والتنمية أن “المسألة محسومة، لأنها ليست مسألة إسلاميين وعلمانيين”، مردفا: “هذه مسألة مجتمع مغربي مسلم، وليست مسألة تيار إسلامي أو تيار آخر، وتؤطرها إمارة المؤمنين”.

كما أشار الإبراهيمي إلى أن “من يعتبر أن العدالة والتنمية تراجع وسينفذ أفكاره العلمانية من موقع قوة فهو واهم، لأن المجتمع لن يسكت”، وتابع: “أراد العدالة والتنمية أم لا، فالمجتمع له كلمته، والمدونة طرحت بعض الإشكالات التي هي موضوعية وتحتاج معالجة”.

أماني حداثية

من جهتها، اعتبرت سمية حجي، رئيسة لجنة المساواة وحقوق النساء بحزب التقدم والاشتراكية، أن مدونة 2004 تضمنت مجموعة من المكتسبات التي اعتبرت في وقتها “قفزة نوعية وحققت مجموعة من الأمور للمرأة المغربية، بخصوص تزويج الطفلات ومسؤولية الرجل والمرأة عن التربية والحضانة”.

وأضافت حجي ضمن تصريح لجريدة اسرار تاونات: “الآن بعدما يناهز 20 سنة من التطبيق، ظهرت مجموعة من الثغرات والاختلالات في فصول المدونة نفسها، بغض النظر عن مدى تناقضها مع دستور 2011 والمواثيق الدولية”، مؤكدة أن هذه المواد “تطرح نوعا من الضبابية وتفتح الطريق أمام تأويلات تبقى في غالبها في غير مصلحة المرأة والمصلحة الفضلى للأطفال”.

وأكدت الفاعلة السياسية أن حزبها ليس مع حقوق المرأة دون الرجل، موردة: “لسنا ضد الرجل ولا حقوق الرجل، نحن في حاجة إلى المساواة في الحقوق مع الرجل، والمرأة تواكب التحولات التي عرفها المجتمع”.

وشددت المتحدثة ذاتها على أن حزب التقدم والاشتراكية أعد مذكرة وضمنها مجموعة من النقاط بخصوص “الحضانة والولاية الشعرية والاعتراف بنسب الطفل للأب غير الشرعي والطلاق والتطليق”، وزادت مبينة: “لم ننس الإرث والتعصيب، ولنا من الجرأة والقدرة على إثارة مجموعة من الأمور التي فيها حيف وظلم للمرأة”.

واستدركت حجي قائلة: “واعون بأن المجتمع يتكون من أطياف مختلفة، ونتوق لمجتمع حداثي تقدمي وديمقراطي، ونقاش هادئ ورصين باجتهادات منفتحة”، مطالبة العلماء بالتحلي بـ”إنصاف المرأة وتقديم اجتهادات جريئة”، وختمت: “عندنا أمل كبير ويقين بأن هناك إصلاحات قادمة كانت تنادي بها كل الفعاليات الحقوقية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.